حدثتنا ليلى بنت يمان قالت : كان لي في بداية عمري الاعيب من الاغراء و الفتنة ما يثير الامام في محرابه ، كنت كالنار اتقادا و صفاء و حرقة و اشتعالا ، أمر على الرهط من الرجال فأترك فيهم بدعة و جنونا و حسرة و ضياعا ، فاصرفهم عن الدنيا و الدين، أهوى صيد الرجال و زرع الغيرة في النساء كالرياح تسقط الاوراق و تجرح الجفون و تعري الاديم ترابه ، كنت لا أخرج الى الازقة و الاسواق و الشوارع الا و أضع علي من العطر ما يعبث بالاحاسيس و يثير الغرائز لا أغطي جسدي الا بملبس يبرز كل أنوثتي و يكاد يفضح المستور من التضاريس الامامية و الخلفية ، كنت اتفنن في مشيتي كالفرس في استعراض لحركات جميلة ، فاتعمد تحريك النيران تحت الرماد ليتطاير شررها فأخضع في القول و لا أخرج الا رقيقه و عذبه كالنسيم تثير الغبار في يوم شديد الحرَ ، اذا نظرت في احد أكون كالسيف الحاد يقطع كل الرؤوس و يسيل الدماء ، كان كل اهالي الحي لا حديث لهم الا ليلى و افعالها يطلبني الصغير و الكبير و تكرهني النساء ، كن يشفقن على الرجال فتني ، وابعث فيهن الحرص على ابنائهن من الضياع و الغربة ،كنت كالخمرة رقة و سحرا و بهاءا و لذة و فقدانا للعقل ، وكنت كالكفر و الذنوب تسري بين الخلائق فتسرق منهم حلاوة الايمان و لا يعقلون ، ظللت على ذلك حتى شاع خبري بين كل الاحياء فيجدَ الرجال و الفتية في طلبي فلا ينالهم مني غير النصب و التعب و السخرية و الهزء و الامبالاة ، كنت استقر بعقل الرجل حتى اذهبه منه فأتركه عليلا صبا ، فيفقد العافية و الصحة و يصير كالعود اليابس عند الخريف ، تمر السنين و انا أزداد حسنا و بهاءا و شرا و اغراءا و اغواءا، فلا يسلم من اذيتي مؤمن و لا كافر لا أمرَ بمكان الا كنت كالزلزلال خرابا و دمارا ، فأأتي الحي و راء الحي فأضرم النيران فيها و أقتل السلوى و الصبر و الجلد و العزم ،ثم أغادر تحت جناح الظلمة فلا اثر اترك و لا عنوان سوى البدعة حتى كان لي في احدى الرحلات ما يشبه العجيبة و الغريبة مررت بنفر من الرجال ، كانوا يقفون حول رجل شاع من العمر فيه المهجة و الوقار و العافية ، يرتدي من اللباس ما يدل على الطهارة والورع، يتحدث بكلام يفيد البلاغة و البيان و حسن الصنيع ، تقدمت منهم و انا أخاف ان أذهب عنهم ما هم فيه من انقطاع عن الدنيا و احكام في الاصغاء فما شعر بي احد رغم ما كنت عليه من طيب و اغراء فارتبكت و جاءني ما يشبه الاهتزاز بحسني ، اضظربت و صرت كالمنكوب ساعة الطوفان يطلب النجاة فلا يجد الا أمواج المياه تهاجمه ثم هدأت و اصغيت الى حديثه الذي هو كالروح يسري و اذا بدموع حارة تتساقط على خدودي، فكأن روحا أخرى سكنت جسدي و كان البعث ثم انسحبت دون ان يشعر بي احد و اذا بهاتف يقول : يا ليلى ، هل الحقيقة حسنك ام هذه السماء ؟ مدي نظرك الى الافق البعيد ثم اغمضي عينيك و اعيدي مدَ البصر ...
كان هذا الصوت يتكرر صداه و يصم الاذان ، اصابني خوف شديد و ارتجاف و ارتعاد ، دموعي لا تعرف توقفا جسدي يغلي و خطواتي صارت متعثرة ، اكاد اتهالك و اسقط ، كل ما حولي صار غريبا عني ، أنفاسي تتسارع و صرت كالمصعَد في السماء انقباضا و ضيقا... الصوت يزداد وضوحا و قوة كالانثى تطلق الصيحة بالبكر ، فصرت كالخيط الرقيق الفاصل بين قسوة الواقع و حلاوة الاحلام ، فيهز صدري اضطرابا كالرمال نشأة العاصفة ، عدت الى اهلي و أنا ارتعد مثل الانبياء ساعة الوحي ، استسلمت لنوم عميق ما زار عيني قبل اليوم مثله ، فكان من الاحلام ما يشبه رؤيا الصالحين : رايت نفسي في ثياب بيض و حولي حمام بلون ثوبي و انا ساجدة في دموع غزيرة و اذا برجل قد ضرب الشيب في كثيف لحيته وعلى وجهه صفاء و نقاوة و طهارة ما يعجز اللسان عن وصفه دنا مني ثم قال :لا يأس مع الذكر الرحيم ، و لا خوف حين شروق الشمس للمستضعفين ، قومي يا ليلى ولا تلتفتي وراءك حتى لا يصيبك ما حلً بآل لوط حين سيء الى ضيوفه ...اسيقظت متسائلة : من قوم لوط و ما حل بهم ؟ سؤال لم اهدأ امامه الا حين قرأت :و امطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ...فهجرت الظلمة و كان البعث